هيلغا شميد لـ«الجمهورية»: أنصح المرأة اللبنانية بالكوتا السياسية
مي الصايغ
كاتبة ومحررة شؤون عربية ودولية 
التحصيل العلمي: دبلوم علاقات دولية ودبلوماسية -إجازة في العلوم السياسية والادارية
Saturday, 09-Mar-2013 00:42
مرّ اليوم العالمي للمرأة أمس، واللبنانيات لا يزلن على حالهنّ، إذ إنّ إنصاف الدستور والقوانين المرعية الإجراء لهنّ لم يترجم على أرض الواقع. فحتى اللحظة لا يحقّ للأم اللبنانية إعطاء الجنسية لأولادها، أسوة بالأب اللبناني، فضلاً عن غيابها عن القرار السياسي.
لمناسبة يوم المرأة العالمي، نظّمت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان حلقة حوارية عن "المرأة في عملية صنع القرار في لبنان" أمس، في مقرّ المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بمشاركة الأمينة العامة المساعدة للشؤون السياسية في الجهاز الأوروبي للعمل الخارجي التابع للاتحاد الأوروبي هيلغا شميد ووزراء دوَل الاتحاد الأوروبي ونوابه وسفرائه وممثلين عن المجتمع المدني.

وقالت شميد: "خلال زيارتي الأخيرة لمصر، تناولت العشاء مع سيدات كنّ ناشطات في تظاهرات ثورة 25 يناير في ميدان التحرير، وقد أعربنَ لي عن قلقهنّ من أن يُترَكن جانباً في ظلّ الحكم الجديد".

أمام هذا الواقع، على "الدوَل التي تشهد تغييرات سياسية، اتخاذ تدابير استباقية بغية التصدي للعوامل التي تعوّق مشاركة المرأة في الحقل السياسي"، على حدّ تعبيرها.

وذكّرت شميد بأنّ الاتحاد الأوروبي شّدد على أنّ "المساواة بين الجنسين ستؤدي دوراً مهماً في طريقة استجابته للانتفاضات العربية، وقد تمّت متابعة هذا الأمر عبر رسائل للرأي العام، والحوار السياسي مع الحكومات والمجتمع المدني، ومن خلال برامج الدعم الاقتصادي والسياسي على المستويين الإقليمي والثنائي".

وفي هذا السياق، أطلق الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة في تشرين الأول 2012، برنامجا إقليميا مشتركا لدوَل جنوب البحر المتوسط، تحت عنوان "ربيع النساء إلى الإمام"، لتمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً، في إطار التقدّم الذي أعقب الربيع العربي.

ونَوّهت شميد بقيام مفوّضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون داخل السلك الديبلوماسي بجهود ملحوظة، لتحقيق التوازن "الجَنْدَري". إذ تشكّل النساء 29 في المئة من العاملين في مقرّ الاتحاد الأوروبي في بروكسل، و19 في المئة من أصل 125 على رأس بعثة الاتحاد، هنّ نساء.

إلى جانب ذلك، أطلقت آشتون، بالتعاون مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، "شراكة المساواة المستقبلية" لتعزيز مشاركة المرأة السياسية وتمكينها اقتصادياً، وحتى الآن انضَمّت 11 دولة الى هذه المبادرة. وقالت شميد: "سنكون سعيدين إذا انضمّ لبنان إلى اجتماعاتنا المقبلة في واشنطن ونيويورك في نيسان وأيلول المقبلين".

وأبدَت استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم مشاركة المرأة في العملية السياسية وعلى الصعيد الاجتماعي. "مشاركة ينبغي أن تصبح عرفاً وليس مجرد استثناءات فردية"، مُشدّدة على أنّ "النساء هنّ وكلاء أقوياء للسلام، ويبقى التحدي الحقيقي في جلوسهنّ الى طاولات التفاوض".

ونوّهت شميد بما سمعته من نقاش مذهل، واعدةً ان تنقل انطباعاتها الى المسؤولين في بروكسل. ورداً على سؤال لـ"الجمهورية" قالت : "حين كنتُ على مقاعد الدراسة في الجامعة كنتُ اعارض الكوتا النسائية. أمّا اليوم، فإن كان هناك من نصيحة للمرأة اللبنانية، فعليها بالكوتا النسائية لتحقيق مشاركتها في الحقل السياسي". كوتا لا تزال جواز العبور الذي تحتاجه المرأة بغية دخول المعترك السياسي من أبوابه الواسعة، حيث في إمكانها ان تصبح شريكة في صناعة القرار.

كيوان

وعلى رغم تقديم وزارة الداخلية مشروع قانون للانتخابات يتضمّن كوتا نسائية، الّا أنّ المجلس النيابي أوقَفه في أدراجه، وفق ما أشارت أستاذة العلوم السياسية الدكتورة فاديا كيوان، التي أكّدت أنّه في "العيد الستين للمرأة، يتّضح أنّ حصولها على حقوقها في النصوص القانونية لم يؤثر في السلوك".

وتحدثت عن "الغبن" الذي يَطال المرأة في القطاع العام، ولا سيما في المجالس البلدية والبرلمان، منوّهةً في المقابل بوصول المرأة الى مواقع قيادية في القطاع الخاص، حيث تغيب الجَندرة".

واستشهدت بالتقرير الوطني لشؤون المرأة، الذي يُظهر المشاركة الضعيفة للمرأة في العمل البلدي. وقالت: "الأرقام تدلّ على وجود مشكلة حقيقية، إذ إنّ هناك 3 سيّدات من أصل 24 عضواً في مجلس بلدية بيروت، أي بنسبة 12 في المئة".

أمّا في جبل لبنان فتبلغ نسبة مشاركتها 4.5 في المئة، وفي الجنوب 2.5 في المئة، وفي البقاع 2 في المئة، بينما يُظهر الشمال تقدّماً على غيره من المحافظات، حيث تشكّل مشاركة المرأة 7 في المئة.

وذكّرت بأنّ لبنان التزم منذ العام 1997 اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، لكنّه لم يتخذ تدابير في هذا الشأن.
وشدّدت كيوان على أنّه "لا يكفي أن تشجب الدولة التمييز، بل عليها القيام بتدابير استثنائية لذلك. ويتوجّب على لبنان احترام التزاماته تجاه مؤسسات الشرعية الدولية". وتساءلت: "لماذا نخاف على البلد من المرأة يا ترى؟"

أرسلان

خَوفٌ عَزَته رئيسة هيئة تفعيل دور المرأة في القرار الوطني، الأميرة حياة ارسلان، إلى أسباب "اجتماعية - أهلية وتشريعية".
وشدّدت أرسلان على أنّ "المرأة اللبنانية غائبة ومغيّبة عن صنع القرار، فيما المطلوب منها الحضور والفعالية، وما يعوّق ذلك يكمن في غياب الإرادة السياسية لاعتماد العلاج الناجع وتطبيقه".

وقالت إرسلان: "إنّ مَن بيَدهم الحل والربط لا يعتبرون غياب المرأة عن القرار مشكلة وطنية توجِب المعالجة، هم ينأون بأنفسهم عن التعاطي بشؤون هم في غنى عنها". وأكّدت أنّ "اعتماد العلاج الناجع هو في اعتماد كوتا نيابية مرحلية، لقد طالبنا بذلك كثيراً، لكن ليس في الأفق ما يشير الى إمكان إقرارها".

جابر

علاجٌ رأى النائب ياسين جابر أنّ المرحلة الأولى فيه يجب أن تبدأ من خلال تقرّب المرأة من القاعدة الشعبية ونَسج علاقات إنسانية معها.
ونصح جابر المرأة بأن تكثّف مشاركتها في العمل البلدي والانمائي، على قاعدة أنّ طبيعة العمل السياسي في لبنان تجعل العلاقة "الشخصية مهمة جداً". وقال: "من الأفضل للمرأة ان تعمل أكثر على الأرض، وان تنشط مع المجتمع المدني، وأن تكون قريبة من الناس، ما يؤهلها لتأدية دور سياسي في المستقبل".

طبارة

أمّا الوزير السابق الدكتور بهيج طبارة، فاستعرض النصوص التي كانت تنطوي على إجحاف في حق المرأة.
ولفت إلى أنّه حين دخل أولى حكومات الرئيس رفيق الحريري كوزير للعدل في أواخر العام 1992، كانت الحركة النسائية ناشطة في المطالبة بإلغاء النصوص القانونية اللبنانية التي تميّز بين المرأة والرجل.

ولفتَ طبارة إلى أنّ أحد هذه النصوص، كان في القوانين العقارية التي تعود إلى العام 1926، حيث كانت المرأة تحرم من الحقّ بأن تكون شاهداً امام الموظف في الدوائر العقارية. وبالاستناد الى هذا النص، ذهب بعض كتّاب العدل الى ابعد من ذلك، اذ إنهم كانوا يرفضون شهادة المرأة على وكالة تجيز للوكيل إجراء معاملات عقارية.

واقعٌ دَفع وزارة العدل إلى إعداد مشروع قانون لتعديل هذا النص، الذي لم يعد يتماشى مع التطور الحاصل في المجتمع والتشريع في لبنان. وفي 4/11/1993 صدر القانون رقم 275، وأصبحت الشهادة مقبولة في الدوائر العقارية للذكور والاناث، من دون تفريق، بعد أن كانت محصورة بالذكور.

في التجارة ايضاً، كان القانون الصادر عام 1942 لا يسمح للمرأة المتزوجة أن تمارس التجارة، أو أن تدخل في شركة تجارية، الّا بعد موافقة زوجها. في حين أنّ القانون عينه كان يعطي الحقّ للفتاة غير المتزوجة، مهما بلغت سنّ الرشد، أن تمارس الاعمال التجارية بحريّة تامة، وفق ما يوضِح طبارة.

لذلك، أعدّت وزارة العدل مشروع قانون أشارت في اسبابه الموجِبة الى أنّه من غير المعقول ان يؤدي زواج المرأة الى الانتقاص من حقوق كانت تتمتع بها وتمارسها قبل الزواج.

بالإضافة الى أنّ مثل هذه الاحكام تخالف المواثيق الدولية التي انضمّ اليها لبنان، واصبحت جزءا من دستوره.

وفي 4 تشرين الثاني عام 1994 صدر القانون رقم 380 الذي ألغى شرط موافقة الزوج. نصوص اخرى تعدّلت او ألغيت في تلك الفترة، فَنّدها طبارة، كانت تشكّل مطلباً ناضلت في سبيله الهيئات النسائية منذ زمن قديم.

وهكذا، أصبح في وسع الموظفة في السلك الديبلوماسي ان تتابع عملها في الخارج اذا تزوّجت أجنبيا، وذلك أسوة بالرجل. إذ كان القانون يفرض في السابق على الفتاة الديبلوماسية العودة الى الادارة المركزية، اذا تزوجت رجلا اجنبيا".

الّا أنّ الاهم من كل ذلك، وفق طبارة، يتمثّل بانضمام لبنان، بعد ترَدّد طويل، الى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. هذه الاتفاقية أصبحت نافذة، كما هو معلوم في 3 أيلول 1981. وعندما انضمّ لبنان اليها عام 1996 كانت قد سبقته الى ذلك 98 دولة، منها 10 دول عربية، هي: الاردن، تونس، مصر، اليمن، العراق، ليبيا، المغرب، جزر القمر، الكويت والجزائر.

واللافت أنّ لبنان أصبح طرفاً في الاتفاقية من دون ان يتحفظ على أيّ بند من بنودها، كما فعلت اكثرية الدول العربية التي تحفّظت على المادة الثانية منها، التي تُلزم الدوَل المنضمّة إلى الاتفاقية بـ"أن تنتهج بكلّ الوسائل المناسبة، ومن دون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة".

فضلاً عن ذلك، ذكّر طبارة ببعض النصوص التشريعية في لبنان التي كانت تميّز بين المرأة والرجل، ولا سيما المادة 562 من قانون العقوبات المتعلقة بما يسمّى "جرائم الشرف". هذه المادة كانت تعفي من كل عقاب، بالاستناد الى قاعدة العذر المُحل، "مَن فاجأ زَوجه او احد اصوله او فروعه او أخته في جرم الزنا المشهود، او في حالة الجماع غير المشروع، فأقدم على قتل أحدهما او إيذائه بغَير عَمد".

في 20 شباط 1999 اصبح المجرم، في هذه الحال، خاضعاً للعقاب، لتعود وتلغى هذه المادة كلياً من قانون العقوبات عام 2011 (القانون رقم 162 تاريخ 17/8/2011).

وأكّد طبارة أنّ "هذه الإنجازات تمّت خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الخمس سنوات، وكان صعباً تحقيقها لولا تضافر جهود هيئات نسائية وأحزاب ورائدات في سياق نضال طويل".

وفي سياق تعداد الإنجازات، توقّف طبارة عند موضوع سنّ حضانة الاولاد لدى الأم، الذي عمل عليه ولا يزال، بالتعاون مع مجموعة من الجمعيات والناشطات والناشطين.

وذكّر بأنّ هذا الأمر تقرّره في لبنان كل طائفة بالنسبة لرعاياها. فطائفة الروم الأرثوذكس، على سبيل المثال، رفعت سنّ الحضانة لدى الأم عام 2003 الى 14 سنة للفتى و15 سنة للفتاة، مع إمكان تمديد هذه المدة من قبل القاضي إذا رأى في ذلك مصلحة للوَلد. أمّا الطائفة الإنجيلية فرفعت سنّ الحضانة الى 12 سنة للجنسين، فيما رفعت الطائفة المسلمة السنية ايضا حضانة الام عام 2012 الى 12 سنة بالنسبة للمَحضُون الصغير او الصغيرة، بعد ان كانت 7 سنوات للفتى و9 سنوات للفتاة.

ثمّة امور اخرى لا تزال عالقة، وفي مقدّمها حقّ الام اللبنانية في إعطاء الجنسية لأولادها، أسوَة بالأب اللبناني، فضلاً عن إشراك المرأة اللبنانية في القرار السياسي عن طريق الكوتا النسائية.

وأعاد طبّارة التذكير بمشروع قانون لحماية المرأة من العنف الأسري، الذي لا يزال عالقاً في مجلس النواب، وَسط اعتراضات بعض رجال الدين ونقاشات اللجان النيابية.

أمّا بالنسبة الى موضوع الجنسية، فهناك اقتراح قانون تقدّم به طبّارة والنائب الدكتور بيار دكاش في 27 نيسان 2009 ، يَرمي الى إدخال تعديل واحد بسيط على المادة الأولى من القانون المذكور، بحيث تصبح:

"يُعدّ لبنانياً: كلّ شخص مولود من أب لبناني او من أم لبنانية"، بدلاً من:

"يُعدّ لبنانياً: كلّ شخص مولود من أب لبناني". ودَعَت أرسلان إلى يوم الحداد الوطني على الأوضاع في البلاد عموماً وحقوق المرأة خصوصاً، والذي ستنفّذه نساء لبنان بالزيّ الاسود، في الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم في قصر الاونيسكو.
الأكثر قراءة